ملخص نظريات التعلم: السلوكية، المعرفية، البنائية
يعرف الميدان التربوي تحولات بارزة في اهتمامه بممارسة التعلم والتعليم، فمن التركيز على العوامل الخارجية التي تؤثر في التعلم، مثل كفاءة المعلم، بيئة التعلم، مخرجات التعلم… إلى التركيز على العوامل الداخلية التي تؤثر في المتعلم. وهذا التحول سبب كثيراً من الإرباك للمعلمين نتيجة مطالبتهم بمهمات تدريسية تواكب هذا التحول، دون أن يكون لديهم معرفة كافية بالأسس النظرية التي ترتبط ب، لهذا نجد كثيرا من الممارسات التدريسية الحديثة في الميدان تتجه نحو الرؤية الحديثة في التعلم ولكنها تُمارَس بطرق تقليدية. وحتى يتمكن المعلم من تصميم التدريس وفق الاستراتيجيات الحديثة للتعلم تخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً، يتطلب الأمر تعريف المعلمين بنظريات التعلم والتعليم، والفروقات بينها، ومتطلبات كل منها، ليكون قاعدة علمية سليمة يبني عليها ممارساته التدريسية. لذا سنعرض في هذا المقال لمحة بسيطة عن ملخص نظريات التعلم.
ما هو مفهوم التعلم؟ وما هي النظرية؟
يمكن تعريف التعلم بمفهومه الشامل بأنه عملية تغير تدريجي من الجهل إلى المعرفة، أو من العجز أو عدم القدرة إلى الكفاءة، أو من اللامبالاة إلى الفهم.
أما تعريف النظرية فيمكن اعتبارها كياناً يقدم توضيحا عاما للملاحظات المبينة على مر الوقت، كما توضح السلوك وتتوقعه، ويمكن إثباتها بشكل غير قابل للشك لكنها تبقى قابلة للتعديل.
تعريف نظريات التعلم
تعريف نظريات التعلم لا يخرج عن كون هذه النظريات عبارة عن محاولات منظمة لتوليد المعرفة حول السلوك الإنساني، وتنظيم هذه المعرفة وتجميعها في إطارات من الحقائق والمبادئ والقوانين، بهدف تفسير الظاهرة السلوكية والتنبؤ بها وضبطها. ويتجلى الهدف الرئيسي لأغلب نظريات التعلم في فهم السلوك الإنساني من حيث طريقة تشكله، وفي الإحاطة بمتغيراته وأسبابه، ومحاولة شرح وتفسير عمليات التغير والتعديل الطارئة على هذا السلوك، من أجل صياغة مبادئ وقوانين عامة تضبطه وتوجهه.
ورغم وجود العديد من نظريات التعلم واختلاف مجالاتها، فلا توجد لحد الآن نظرية شاملة معتمدة في تفسير كل مظاهر السلوك الإنساني. ولعل ذلك يرجع الى اتساع عملية
التعلم وتعدد متغيراتها وعواملها والمجالات التي تتضمنها. لذلك فإن تحليل السلوك الإنساني يستلزم مراعاة ماجاءت به جميع نظريات التعلم المختلفة، للحصول على فهم أفضل لعملية التعلم وعدم اعتماد مفاهيم نظرية واحدة.
أنواع نظريات التعلم
تصنف نظريات التعلم ضمن اتجاهين مختلفين: أحدهما هو الاتجاه السلوكي أو نظريات التعلم السلوكية، والآخر هو الاتجاه المعرفي أو نظريات التعلم المعرفية.. وفيما يلي عرض ملخص نظريات التعلم باختصار :
النظريات السلوكية
تشمل نظريات التعلم السلوكية فئتين من النظريات هما:
الفئة الأولى: النظريات الارتباطية وتضم نظرية ايفان بافلوف في الإشراط الكلاسيكي، وآراء جون واطسون في الارتباط، ونظرية أدون جرثي في الاقتران، وكذلك نظرية ويليام ايستس. حيث تؤكد هذه النظريات على أن التعلم هو بمثابة تشكيل ارتباطات من خلال الاقتران بين مثيرات بيئية واستجابات معينة. وتختلف فيما بينها في تفسير طبيعة الارتباطات وكيفية تشكلها .
الفئة الثانية: النظريات الوظيفية وتضم نظرية ادوارد ثورنديك (نموذج المحاولة والخطأ)، وكلارك هل (نظرية الحافز)، ونظرية بروس أف سكرن (التعلم الإجرائي)، إذ تؤكد على الوظائف التي يؤديها السلوك مع الاهتمام بعمليات الارتباط التي تتشكل بين المثيرات والسلوك .
النظريات المعرفية
وهي الفئة الثالثة من نظريات التعلم، وتضم الجشتلتية ونظرية النمو المعرفي أو النظرية البنائية لبياجيه، ونموذج معالجة المعلومات والنظرية الغرضية لإدوارد تولمان، حيث تهتم هذه النظريات بالعمليات التي تحدث داخل الفرد مثل التفكير والتخطيط واتخاذ القرارات والتوقعات أكثر من الاهتمام بالمظاهر الخارجية للسلوك .
ثلاثة من أهم نظريات التعلم
1. النظرية السلوكية Behaviorism Theory
كما رأينا سابقا، فإن النظريات السلوكية تشمل فئتين من النظريات هما:
النظريات الارتباطية
وتؤكد كلها على أن التعلم هو بمنزلة تشكيل ارتباطات بين مثيرات بيئية، واستجابات معينة، وتختلف فيما بينها في تفسير طبيعة هذه الارتباطات، وكيفية تشكلها.
النظريات الوظيفية
تؤكد على الوظائف التي يؤديها السلوك، مع الاهتمام بعمليات الارتباط التي تتشكل بين المثيرات والسلوك. وتنظر هذه النظرية إلى التعلم على أنه تغير في السلوك الملاحظ الناتج عن الاستجابات للمثيرات الخارجية في البيئة، وترى أن العمليات الداخلية العقلية لدى المتعلم غير مهمة، ومن المستحيل إثباتها بأي إجراءات علمية متاحة، ويجب التأكيد في التعلم على العلاقة بين السبب والنتيجة، التي يمكن تأسيسها بالملاحظة.
أهم خصائص التعلم وفق النظرية السلوكية
- يركز التعلم على القياسات والملاحظات السلوكية.
- يركز على العلاقة بين المتغيرات البيئية والسلوك.
- يحدد التعلم مسبقا الشروط اللازمة لحدوث السلوك المرغوب.
- يحدث التعلم عند ظهور استجابة صحيحة تبعها مثير معين.
- التعلم يعتمد على استخدام التعزيز، ومتابعة سلوك المتعلم.
تنص النظرية السلوكية بشكل أساسي على أن سلوك المتعلم يجب أن يتغير بعد التعلم، فإذا لم يكن هناك تغيير، فإن التعلم لم يحدث.
يمكن أن تكون أساليب التعزيز الإيجابي والسلبي فعالة للغاية مع الحيوانات والشباب. وهي مفيدة بشكل خاص في علاج اضطرابات الإنسان، مثل مرض التوحد والسلوك المعادي للمجتمع. وفي الواقع، فإن المعلمين الذين يكافؤون أو يعاقبون الطلبة على سلوكهم، يستخدمون أساليب النظرية السلوكية.
النظرية السلوكية تتناول المبدأ العام للتعلم الذي ينص على توفير آلية يمكنها مشاهدة وقياس نتيجة التعلم. ومن الأمثلة على التعزيز الإيجابي الثناء أو المكافأة أو الهدية بعد القيام بالسلوك المناسب. ومن الأمثلة على التعزيز السلبي قيام الطفل أخيرا بواجبه المنزلي فقط من أجل وقف تذمر والديه، أو رغبة في أن ينال منهم مكافأة.
2. النظرية المعرفية Cognitivism Theory
تهتم بالعمليات التي تحدث داخل الفرد مثل: التفكير والتخطيط، واتخاذ القرارات، والتوقعات… أكثر من الاهتمام بالمظاهر الخارجية للسلوك. وينصب تركيزها الرئيسي على عملية التفكير التي ينطوي عليها السلوك.
فإذا كانت السلوكية تركز على السلوك الظاهر، فإن المعرفية تركز على السلوك غير الظاهر للعمليات الذهنية المسؤولة عن سلوك المتعلم. و تنظر إلى المعرفة على أنها بناء ذهني يجري في ذهن الفرد، والتعلم هو عملية إرسال المعرفة إلى الذاكرة والقدرة على استرجاع تلك المعرفة من أجل استخدامها في المستقبل.
أهم خصائص التعلم وفق النظرية المعرفية
- يتعلم المتعلمون ويقومون بحفظ المعلومات في تراكيب ذهنية أثناء عملية الاكتساب من أجل استردادها بسرعة.
- يساعد تطوير الروابط بين المعلومات على استرجاعها.
- يؤدي الاسترجاع الانتقائي للمعلومات إلى تشكيل الاستجابة.
- من الممكن التأثير على عمليات استرداد المعلومات وتشكيل الاستجابة.
- التعلم هو عملية فعالة تحدث داخل المتعلم ويمكن أن تتأثر بالمتعلم باعتباره المشارك الفاعل في عملية التعلم.
- لا تعتمد مخرجات التعلم على ما يقدمه المعلم فحسب، بل كذلك على ما يقوم به المتعلم لمعالجة هذه المعلومات.
وحسب النظرية المعرفية فإن التعلم يحدث داخل المتعلم ويمكن أن يتأثر بالمتعلم، وبالتالي يبقى تركيزها مُنْصَباًّ على كيفية قيام المتعلمين بتذكر واسترجاع وحفظ المعلومات في الذاكرة. ونشير هنا إلى أن الاستراتيجيات التي تركز على هيكلة وتنظيم وتسلسل المعلومات من أجل معالجتها على أمثل وجه، مثل تحديد المخطط العام والمنظِمات المتقدمة، والتلخيص، والتركيب، وإثارة المعلومات المقدمة سلفا، جميع هذه الاستراتيجيات قائمة على النظرية المعرفية.
وفيما يلي سنتتاول النظرية البنائية، كأحد أنواع نظريات التعلم المعرفية :
3. النظرية البنائية Constructivism Theory
تعد من المداخل التربوية التي ينادي التربويون بها كثيراً في العصر الحديث، وهي نظرية تعلم قائمة على مواقف حقيقية ومستمدة من الواقع، بحيث يستوعب المتعلمون ويبنون معرفة جديدة بناء على الخبرات السابقة لديهم.
والنظرية البنائية لها آراء متعددة في التعلم لا تخرج جميعها عن اتجاهين هما :
- آراء علماء البنائية المعرفية التي تأثرت بنظرية بياجيه وأفكاره، وهي تركز على النشاط البنائي للفرد في محاولة منه لفهم العالم، فالتعلم عملية نشطة لإعادة تنظيم المعرفة، ويحدث حين يختلف الواقع عن توقعات الفرد، ويكون لزاماً عليه مواجهة هذا التعارض، والتغلب عليه.
- آراء علماء البنائية الثقافية الاجتماعية، التي تأثرت بأفكار فيجوتسكي، الذي يركز على الأنشطة المجتمعية، فالتعلم يحدث عندما يتشارك الأفراد مع الآخرين في بيئة معينة.والنظرية البنائية بشكل عام، تؤكد على أن الفرد يفسر المعلومات والعالم من حوله بناء على رؤيته الشخصية. وأن التعلم يتم من خلال الملاحظة، والمعاجلة، والتفسير، أو التأويل، ومن ثم يتم مواءمة المعلومات أو تكييفها بناء على البنية المعرفية لدى الفرد، وأن تعلم الفرد يتم عندما يكون في سياقات حقيقية واقعية، وتطبيقات مباشرة لتحقيق المعاني لديه.
وترتكز النظرية البنائية على المتعلم، وتعزز مستويات عالية من مهارات المعالجة لتطبيق معرفته العملية. ويبقى الأثر التربوي للبنائية إيجابياً، ويستند التعليم على المعارف السابقة للمتعلمين مما يتيح لهم إجراء اتصالات مهمة وحل المشاكل المعقدة.
مبادئ التعلم في النظرية البنائية
- التعلم يقترن باشتغال الذات في الموضوع، وليس باقتناء معارف عنه.
- الاستدلال شرط لبناء المفهوم، والمفهوم يربط العناصر والأشياء بعضها ببعض، وعليه فإن المفهوم لا يبنى إلا على أساس استنتاجات استدلالية.
- الخطأ شرط التعلم، وهو فرصة وموقف من خلال تجاوزه يتم بناء المعرفة التي نعتبرها صحيحة.
- الفهم شرط ضروري للتعلم.
- التعلم يقترن بالتجربة، وليس بالتلقين.
- التعلم هو تجاوز الاضطراب ونفيه.
تتطلب بيئة التعلم البنائي ممارسة المتعلمين الخبرات الحسية المباشرة، والتعامل مع المواد والأجهزة بأنفسهم، عن طريق ملاحظاتهم وأنشطتهم، كما يجب أن تشجع المتعلمين على التعاون مع بعضهم البعض في اتخاذ القرارات، للخروج بأفكار جديدة.
المراجع:
- نظريات التعلم – عماد عبد الرحيم الزغول
- التعلم نظريات وتطبيقات – أنور محمد الشرقاوي
- دليل المعلم للتدريس الفعال – مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام
- أساسيات نظريات التعلم – المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد بالمملكة العربية السعودية
Leave a comment…اسلام علیکم قد فرحت جدا جدا لذا شکرت لک غایة شکرا