التعلم النشط : مفهومه، أهميته، خصائصه، عناصره، استراتيجياته…
السعي نحو جودة التعليم يتطلب تطوير استراتيجيات مختلفة للتعلم، والتي ترتكز بشكل أساسي على تحفيز الطالب وتوجيهه نحو المشاركة الفعّالة في العملية التعليمية التعلمية، ولعل أبرز هذه الاستراتيجيات التعلم النشط الذي يعزز فعالية الطالب داخل الصف وخارجه، ويطور من قدراته ومشاركته في بناء تعلّماته المختلفة، أي بناء المعرفة من خلال التفاعل المباشر والفعّال مع معلمه وزملائه.
مفهوم التعلم النشط :
عرفه هونج وسميث (Zhang Hong & CartComp Smith):
استراتيجية معرفية وممارسات عملية تتضمن المدخلات والعمليات والإجراءات اللازمة لخلق مواقف يمكن أن يحدث فيها التعليم والتعلم بفاعلية. (د. سهام عبد المنعم البكري 2015 ص16).
بناء على هذا التعريف، فالتعلم النشط هو استراتيجية تعلّم ترتكز على المشاركة الفعالة للطالب في الأنشطة داخل الصف وخارجه، وتدفعه للتفاعل الإيجابي والعمل الجماعي مع زملائه عن طريق البحث والاستكشاف، على أن يكون المعلم موجها لعملية التعلم ومرشدا لها.
أهمية التعلم النشط :
إذا علمنا أن مدى تركيز الطالب خلال الحصص التي تعتمد في أسلوبها على التلقين والحفظ والطرق التقليدية للتعليم بصفة عامة لا يتعدى 8 إلى 10 دقائق خلال الساعة، وفي دراسات تربوية أخرى تؤكد أن قدرة تذكر التلاميذ تصل إلى 70% في العشر دقائق الأولى من الحصة، لتصل إلى حوالي 20% خلال الدقائق العشر الأخيرة، أدركنا مدى أهمية التعلم النشط في المحافظة على انتباه الطالب وتركيز جهوده في الدرس. وعليه فإن للتعلم النشط أهمية بالغة تتمثل في:
- التعلم النشط يجعل من المتعلم مركز عملية التعلم ويطور من قدراته المعرفية.
- يعزز ثقة الطالب في نفسه وقدراته ويجعله مسؤولا عن تعلمه.
- يصل بالطالب إلى ممارسة التفكير والقدرة على حل المشكلات.
- ينقل الطالب من الموقف السلبي (التلقي، الإصغاء، الحفظ والتلقين ..) في العملية التعليمية التعلمية، إلى موقف إيجابي (التفاعل، المشاركة ..).
- يجعل من الطالب فردا منتجا: المتعلم في الموقف التعليمي التقليدي يتلقى المعرفة جاهزة ولا ينتجها عكس استراتيجيات التعلم النشط.
- يحقق اندماج الطالب في العمل.
- يحقق المسعى التعلمي البنائي-الاجتماعي.
- يكشف بشكل جلي ميول الطلبة وشغفهم ويشبع رغباتهم، وهو ما يسهل عملية توجيههم مستقبلا.
- إثارة الدافعية لدى الطلاب: فالتعلم النشط مرتبط بحاجات الطلاب العقلية، النفسية والاجتماعية وهو ما يحفزهم أكثر ويثير لديهم الدافعية نحو التعلم واكتساب المعرفة.
- النتائج التي يصل إليها الطلاب نتيجة استعمال استراتيجيات التعلم النشط تضفي قيمة مضافة للطالب وترفع من تقديره لذاته ونفسه.
خصائص التعلم النشط:
يعتبر التعلم النشط أحد الاتجاهات الحديثة في التعليم، والتي تولي الطالب أهمية بالغة في العملية التعليمية وتجعل منه قطبا إيجابيا فاعلا، وتتلخص مميزات التعلم النشط فيما يلي:
- تعلم هادف: يستهدف التعلم النشط تنمية وتطوير قدرات المتعلمين، وتوجيههم نحو تعديل تصوراتهم وبناء معارفهم بالاعتماد على ذاتهم، فيمكّن الطالب من الحصول على المعلومة واكتساب المهارات.
- تعليم مخطط: التعلم النشط يقدم تعلمات مخططة ومتدرجة وفق حجم ساعي محدد، لهيكلة الممارسات البيداغوجية داخل الصف أو خارجه، وضبط تطور مستوى الطالب وفق محطات متعددة.
- التعلم النشط يكسب الطالب كفاءات مهارية، وجدانية، حركية وتواصلية. وهو ما يؤهله إلى إدراك مهارات التفكير العليا والمتمثلة في التحليل والتركيب… (حسب صِنافة بلوم)
- الطالب يتحمل مسؤولية تعلماته: في التعلم النشط يعتبر الطالب هو محور العملية التعليمية-التعلمية وهو المسؤول على بناء معارفه تحت توجيه وارشاد المعلم. وما يمكن تعلمه في إستراتيجيات التعلم النشط أكثر بكثير بالمقارنة مع أنماط التعلم التقليدي.
- يعتبر التعلم النشط بيئة مفتوحة: من اهم خصائص التعلم النشط هو تكيفه مع محيط الطالب والبيئة التي يعيش فيها، فلا يمكن اقتصار الأنشطة التعليمية على الصف فقط -داخل الصف- بل هناك إستراتيجيات للتعلم النشط تتطلب الخروج إلى ساحة المدرسة أو حتى خارج أسوار المدرسة.
- المرونة: يتميز التعلم النشط بكونه تعلم مرن يمكن تطبيقه في بيئات مختلفة ومع أنشطة تعلمية متنوعة، وعلى فئات متعددة من الطلبة على اختلاف مستواهم وفروقاتهم الفردية.
- التعلم النشط يتيح استخدام الوسائل التقنية الحديثة: أصبحت التكنولوجيا ووسائلها الشغل الشاغل لأغلب الطلاب، واستخدامها في العملية التعليمية يزيد من شغف الطلاب للتعلم ويحفزهم على العلم والمعرفة، والتعلم النشط يتيح توظيف التقنية الحديثة في العملية التعليمية ويسمح باستغلال مصادر تعلمية غنية للبحث والاستكشاف.
عناصر التعلم النشط:
حسب (عبد الله وهدى 27:2016) يتكون التعلم النشط من عنصرين رئيسين هما الخبرة والحوار، ولكل منها عناصر فرعية نلخصها في المخطط أدناه:
العنصر الأول: الخبرة
تتعلق بالأنشطة التي تتم في الغرفة الصفية أو خارجها، وتنقسم إلى:
الملاحظة:
تتنوع الملاحظة حسب النشاط المنجز، فقد تكون ملاحظة تجريبية (كتغيّر لون، ظاهرة ..)، لمس، تذوق..
العمل:
هو العمل المنجز من طرف المتعلم ويختلف حسب المادة الدراسية، فقد يكون تجربة علمية، رسما فنياً، او عملا توثيقيا.
العنصر الثاني: الحوار
يتمثل في تفاعل الطلاب خلال الأنشطة التعليمية، وينقسم إلى:
الحوار مع الذات:
قيام المتعلم بالتفكير والتأمل فيما ينجزه من عمل، سواء أكان المطلوب منه إنتاج فكري يدّون كتابيا على كراس المحاولات أو يدوي يُنجزه على أرض الواقع.
الحوار مع الآخرين:
هو نشاط الطالب وتفاعله في بيئته مع المحيطين به (زملائه، المعلم .. أو أي فرد آخر) ويتمثل في المناقشة، التعاون، القراءة … وهذا لتحفيز التعلم التعاوني.
استراتيجيات التعلم النشط:
تتنوع استراتيجيات التعلم النشط لتلائم مستوى الطلاب ومختلف البيئات التعليمية، فيمكن الاعتماد على بعضها كطرق رئيسية في العملية التعليمية، ويمكن استخدام استراتيجيات أخرى حسب ظروف البيئة الصفية ومدى استجابة الطلاب وتفاعلهم مع المعلم أثناء الدرس، لتنتقل بالطلاب من جو الرتابة والروتين إلى جو المرح والنشاط، وللمعلم حق تقدير الموقف وتوظيف الاستراتيجيات الملائمة في المكان والزمان الملائمين.
ولقد أورد بعض المختصين في الشأن التربوي ما يزيد عن 180 استراتيجية للتعلم النشط، تتنوع هذه الاستراتيجيات لتتناسب مع جميع الفئات المختلفة للطلاب والمواقف التعليمية وتتماشى مع الإمكانيات المتوفرة والمتاحة في كل مدرسة.
وسنسرد في هذا المقال ثلاث استراتيجيات يمكن تطبيقها في مواقف مختلفة من العملية التعليمية-التعلمية:
استراتيجية فكر-زاوج-شارك:
ابتكر هذه النظرية فرانك ليمان وتعني فكر وحدك – فكر مع زميلك – شارك الجميع.
خطوات الاستراتيجية:
تقوم هذه الاستراتيجية على توجيه سؤال للطلاب والطلب منهم أن يفكروا في الإجابة بشكل فردي (فكر) لمدة محدودة، ثم يطلب المعلم أن يناقش كل طالبين معًا الإجابة (زاوج)،وفي الأخير يطلب من بعض الطلاب مشاركة الإجابة مع زملاءهم (شارك).
الهدف من الاستراتيجية:
تنمية قدرة التفكير والعمل الجماعي التشاركي بين الطلاب، والإبقاء عليهم بصفة مستمرة داخل أجواء الدرس.
وقت تطبيق الاستراتيجية:
خلال مراحل الحصة التعليمية.
استراتيجية المواجهة (اكشف اوراقك):
من الاستراتيجات الممتعة والمرحة، يمكن تطبيقها في بداية الدرس أونهايته، كما يمكن توظيفها كطريقة لتقويم مكتسبات الطلبة في الدرس.
خطوات الاستراتيجية:
- تصميم بطاقات تحتوي على أسئلة وأخرى تحتوي على إجابات لهذه الأسئلة. يمكن أن يتم إعداد هذه البطاقات من طرف المعلم أو التلاميذ.
- يقسم طلاب الصف إلى مجموعات، توزع عليهم البطاقات عشوائيا.
- كل مجموعة أو طالب لديه بطاقة فيها سؤال يبحث عن إجابته لدى المجوعات الأخرى.
يمكن تنفيذها كالتالي -بتدخل المعلم- ربحا للوقت:
- يطلب المعلم من المجموعة التي لديها بطاقة فيها سؤال رفع البطاقة وقراءة السؤال، وبالمقابل يرفع الطالب البطاقة التي تحتوي على الإجابة ويقرأها على مسامع زملاءه.
الهدف من الاستراتيجية:
إثارة الدافعية والحماس لدى الطلبة، وإضفاء جو من المرح والمتعة أثناء الدرس.
وقت تطبيق الاستراتيجية:
في بداية الحصة التعليمية كمراجعة أو تشخيص للمكتسبات القبلية للطلاب، كما يمكن أن تنفذ في نهاية الحصة التعلمية كتقويم للمكتسبات.
استراتيجية المصفوفة الابتكارية:
يمكن اعتبارها استراتيجية تدريسية مبدعة وخارجة عن المألوف، تحفز الطلاب على الابتكار.
خطوات الاستراتيجية:
- يقسم الطلاب إلى مجموعات صغيرة.
- تعطى لكل مجموعة مصفوفة تحتوي على أفكار، سيناريوهات، قصة، حدث .. يتعلق بموضوع معين.
- على المجموعة أن تنشئ الموضوع أو السيناريو المطلوب من خلال معطيات المصفوفة كترتيب الأحداث زمنيا، ربط الأفكار وإنتاج تعبير…الخ.
الهدف من الاستراتيجية:
تنمي لدى الطلاب روح الإبداع والتعاون واتخاذ القرار، تنمية التفكير والقدرة على حل المشكلات.
وقت تطبيق الاستراتيجية:
عادة ما تطبق مثل هذه الاستراتيجيات في مرحلة الاستكشاف والبحث خلال العملية التعليمية.
معوقات التعلم النشط:
تطبيق التعلم النشط في العملية التعليمية التعلمية لا يخلو من معوقات يمكن تصنيفها إلى:
معوقات مرتبطة بالمعلم:
- ضعف تكوين بعض المعلمين فيما يتعلق باستعمال استراتيجيات التعلم النشط.
- الاعتماد على الأساليب التقليدية في عملية التعليم وتعوّد الكثير من المعلمين عليها.
- الخوف من عدم التحكم في سلوك الطلاب وفقدان السيطرة لأن التعلم النشط يمنح الطلاب مساحة حرية وحركة أكبر.
- كثرة المسؤوليات الملقاة على عاتق المعلم (خصوصا المسؤوليات الإدارية) وبالتالي لا يُتاح له الوقت لاستعمال استراتيجيات التعلم النشط.
- يستغرق التحضير والتخطيط لحصص التعلم النشط وقتا طويلا.
المعوقات المرتبطة بالطلاب:
- عزوف المتعلمين عن التفاعل داخل الصف وقلة التحفيز والدافعية لديهم.
- الضعف القاعدي لدى بعض المتعلمين يعتبر عائقا كبيرا لتطبيق التعلم النشط.
- عدم قدرة معظم الطلاب على التحليل والتركيب .. (توظيف مهارات التفكير العليا).
معوقات مرتبطة بتوفر الامكانيات:
- كثافة المنهاج الدراسية، وعدم تخصيص الوقت الكافي.
- صعوبة تطبيق استراتيجيات التعلم النشط في الصفوف ذات الأعداد الكبيرة.
- قلة الإمكانيات والوسائل التعليمية أو انعدامها في بعض المدارس.
- عدم توفر البيئة المناسبة داخل الصف لتطبيق التعلم النشط.
سلبيات التعلم النشط:
على الرغم من أهمية استخدام استراتيجيات التعلم النشط في العملية التعليمة-التعلمية والفوائد والايجابيات لهذا النمط من التعليم، إلا أنه يشتمل على سلبيات يجب أخذها في الاعتبار، نذكر منها:
- يحتاج التعلم النشط إلى وقتٍ كافٍ، عادة لا تتيحه المناهج والمقررات الدراسية.
- لا يمكن تطبيقه على جميع البيئات الصفية والمدرسية.
- يتطلب وسائل تعليمية وموارد مختلفة يجب توفيرها لنجاح التعلم النشط.
- لا يتماشى مع الطلاب ذوي القدرات العقلية المحدودة، أو الذين يعانون من صعوبات التعلم نتيجة الضعف القاعدي في مكتسباتهم السابقة.
المراجع :
- الإدارة العامة للتدريب والابتعاث، التعلم النشط، وزارة التربية والتعليم المملكة العربية السعودية، 1435ه.
- الأستاذ الدكتور ماجدة الباوي وثاني الشمري، توظيف ستراتيجيات التعلم النشط في اكتساب عمليات العلم، Dar Al Kotob Al Ilmiyah دار الكتب العلمية، 2020.
- جودت سعادة، التعلم النشط بين النظرية والتطبيق، Al Manhal, 2011
- د.سهام البكري، التعلم النشط، Daralkotob، 2015.
- سليمان سليمان تويج, على خلف الزهرانى، مدخل الى التعلم النشط، دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع, 2018
- عبد الله بن خميس امبوسعيدي، هدى بنت علي الحوسنية، استراتيجيات التعلم النشط 180 استراتيجية مع الامثلة التطبيقية، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، ط2: 2016
- فرح أسعد، إستراتيجيات التعلم النشط، Al Manhal, 2018.
- ماشي بن محمد الشمري، 101 استراتيجية في التعلم النشط، وزارة التربية والتعليم المملكة العربية السعودية، ط1، 1431-1432.
فعلاً راااائع واستفدت منه كثيراً بارك الله فيكم